{ [size=24]تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ } * { مَآ أَغْنَىٰ عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ } * { سَيَصْلَىٰ نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ } * { وَٱمْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ ٱلْحَطَبِ } * { فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ }
أبو
لهب ـ (واسمه عبد العزى بن عبد المطلب) هو عم النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ
وإنما سمي أبو لهب لإشراق وجهه، وكان هو وامرأته " أم جميل " من أشد الناس
إيذاء لرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وللدعوة التي جاء بها..
قال
ابن إسحاق: " حدثني حسين بن عبد الله بن عبيد الله بن عباس قال: سمعت
ربيعة بن عباد الديلي يقول: " إني لمع أبي رجل شاب أنظر إلى رسول الله صلى
الله عليه وسلم يتبع القبائل، ووراءه رجل أحول، وضيء الوجه ذو جمة، يقف
رسول الله صلى الله عليه وسلم على القبيلة فيقول
" يا بني فلان. إني رسول الله إليكم آمركم أن تعبدوا الله ولا تشركوا به
شيئاً، وأن تصدقوني وتمنعوني حتى أنفذ عن الله ما بعثني به " وإذا
فرغ من مقالته قال الآخر من خلفه: يا بني فلان. هذا يريد منكم أن تسلخوا
اللات والعزى وحلفاءكم من الجن من بني مالك بن أقمس، إلى ما جاء به من
البدعة والضلالة، فلا تسمعوا له، ولا تتبعوه. فقلت لأبي: من هذا؟ قال عمه
أبو لهب. (ورواه الإمام أحمد والطبراني بهذا اللفظ).
فهذا
نموذج من نماذج كيد أبي لهب للدعوة وللرسول صلى الله عليه وسلم، وكانت
زوجته أم جميل في عونه في هذه الحملة الدائبة الظالمة. (وهي أروى بنت حرب
بن أمية أخت أبي سفيان)..
ولقد
اتخذ أبو لهب موقفه هذا من رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ منذ اليوم
الأول للدعوة. أخرج البخاري ـ بإسناده ـ عن ابن عباس، أن النبي ـ صلى الله
عليه وسلم ـ خرج إلى البطحاء، فصعد الجبل فنادى: " يا صباحاه " فاجتمعت إليه قريش، فقال: " أرأيتم إن حدثتكم أن العدو مصبحكم أو ممسيكم؟ أكنتم مصدقي؟ " قالوا: نعم. قال: " فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد ". فقال
أبو لهب. ألهذا جمعتنا؟ تباً لك. فأنزل الله { تبت يدا أبي لهب وتب.. }
الخ. وفي رواية فقام ينفض يديه وهو يقول: تباً لك سائر اليوم! ألهذا
جمعتنا؟! فأنزل الله السورة.
ولما
أجمع بنو هاشم بقيادة أبي طالب على حماية النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ
ولو لم يكونوا على دينه، تلبية لدافع العصبية القبلية، خرج أبو لهب على
إخوته، وحالف عليهم قريشا، وكان معهم في الصحيفة التي كتبوها بمقاطعة بني
هاشم وتجويعهم كي يسلموا لهم محمداً صلى الله عليه وسلم.
وكان
قد خطب بنتي رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ رقية وأم كلثوم لولديه قبل
بعثة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فلما كانت البعثة أمرهما بتطليقهما حتى
يثقل كاهل محمد بهما!
وهكذا مضى هو وزوجته أم جميل يثيرانها حرباً شعواء على النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وعلى الدعوة، لا هوادة فيها ولا هدنة.
وكان
بيت أبي لهب قريباً من بيت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فكان الأذى
أشد. وقد روي أن أم جميل كانت تحمل الشوك فتضعه في طريق النبي؛ وقيل: إن
حمل الحطب كناية عن سعيها بالأذى والفتنة والوقيعة.
نزلت هذه السورة ترد على هذه الحرب المعلنة من أبي لهب وامرأته. وتولى الله ـ سبحانه ـ عن رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أمر المعركة!
{
تبت يدا أبي لهب وتب }.. والتباب الهلاك والبوار والقطع. { وتبت } الأولى
دعاء. و { تب } الثانية تقرير لوقوع هذا الدعاء. ففي آية قصيرة واحدة في
مطلع السورة تصدر الدعوة وتتحقق، وتنتهي المعركة ويسدل الستار!
فأما الذي يتلو آية المطلع فهو تقرير ووصف لما كان.
{ ما أغنى عنه ماله وما كسب }.. لقد تبت يداه وهلكتا وتب هو وهلك. فلم يغن عنه ماله وسعيه ولم يدفع عنه الهلاك والدمار.
ذلك ـ كان ـ في الدنيا. أما في الآخرة فإنه: { سيصلى ناراً ذات لهب }.. ويذكر اللهب تصويراً وتشخيصاً للنار وإيحاء بتوقدها وتلهبها.
{
وامرأته حمالة الحطب }.. وستصلاها معه امرأته حالة كونها حمالة للحطب..
وحالة كونها: { في جيدها حبل من مسد }.. أي من ليف.. تشد هي به في النار.
أو هي الحبل الذي تشد به الحطب. على المعنى الحقيقي إن كان المراد هو
الشوك. أو المعنى المجازي إن كان حمل الحطب كناية عن حمل الشر والسعي
بالأذى والوقيعة.
وفي
الأداء التعبيري للسورة تناسق دقيق ملحوظ مع موضوعها وجوها، نقتطف في
بيانه سطوراً من كتاب: " مشاهد القيامة في القرآن " نمهد بها لوقع هذه
السورة في نفس أم جميل التي ذعرت لها وجن جنونها:
" أبو لهب. سيصلى ناراً ذات لهب.. وامرأته حمالة الحطب. ستصلاها وفي عنقها حبل من مسد "..
تناسق
في اللفظ، وتناسق في الصورة. فجهنم هنا ناراً ذات لهب. يصلاها أبو لهب!
وامرأته تحمل الحطب وتلقيه في طريق محمد لإيذائه (بمعناه الحقيقي أو
المجازي).. والحطب مما يوقد به اللهب. وهي تحزم الحطب بحبل. فعذابها في
النار ذات اللهب أن تغل بحبل من مسد. ليتم الجزاء من جنس العمل، وتتم
الصورة بمحتوياتها الساذجة: الحطب والحبل. والنار واللهب. يصلى به أبو لهب
وامرأته حمالة الحطب!
"
وتناسق من لون آخر. في جرس الكلمات، مع الصوت الذي يحدثه شد أحمال الحطب
وجذب العنق بحبل من مسد. اقرأ: { تبت يدا أبي لهب وتب } تجد فيها عنف الحزم
والشد! الشبيه بحزم الحطب وشده.
والشبيه كذلك بغل العنق وجذبه. والتشبيه بجو الحنق والتهديد الشائع في السورة ".
"
وهكذا يلتقي تناسق الجرس الموسيقي، مع حركة العمل الصوتية، بتناسق الصور
في جزيئاتها المتناسقة، بتناسق الجناس اللفظي ومراعاة النظير في التعبير،
ويتسق مع جو السورة وسبب النزول. ويتم هذا كله في خمس فقرات قصار، وفي سورة
من أقصر سور القرآن ".
هذا
التناسق القوي في التعبير جعل أم جميل تحسب أن الرسول صلى الله عليه وسلم
قد هجاها بشعر. وبخاصة حين انتشرت هذه السورة وما تحمله من تهديد ومذمة
وتصوير زري لأم جميل خاصة. تصوير يثير السخرية من امرأة معجبة بنفسها، مدلة
بحسبها ونسبها. ثم ترتسم لها هذه الصورة: { حمالة الحطب. في جيدها حبل من
مسد }! في هذا الأسلوب القوي الذي يشيع عند العرب!
قال
ابن إسحاق: فذكر لي أن أم جميل حمالة الحطب حين سمعت ما نزل فيها وفي
زوجها من القرآن، أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جالس في المسجد عند
الكعبة، ومعه أبو بكر الصديق، وفي يدها فهر (أي بمقدار ملء الكف) من
حجارة. فلما وقفت عليهما أخذ الله ببصرها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
فلا ترى إلا أبا بكر. فقالت: يا أبا بكر. أين صاحبك؟ قد بلغني أنه يهجوني.
والله لو وجدته لضربت بهذا الفهر فاه. أما والله وإني لشاعرة! ثم قالت:
ثم انصرفت. فقال أبو بكر: يا رسول الله، أما تراها رأتك؟ فقال: " ما رأتني، لقد أخذ الله ببصرها عني ".
وروى
الحافظ أبو بكر البزار ـ بإسناده ـ عن ابن عباس قال: لما نزلت: { تبت يدا
أبي لهب } جاءت امرأة أبي لهب. ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس ومعه
أبو بكر. فقال له أبو بكر: لو تنحيت لا تؤذيك بشيء! فقال رسول الله صلى
الله عليه وسلم: " إنه سيحال بيني وبينها " .
فأقبلت حتى وقفت على أبي بكر، فقالت: يا أبا بكر، هجانا صاحبك. فقال أبو
بكر: لا ورب هذه البنية ما ينطق بالشعر ولا يتفوه به، فقالت: إنك لمصدق.
فلما ولت قال أبو بكر: ما رأتك؟ قال: " لا. ما زال ملك يسترني حتى ولت ".
فهكذا
بلغ منها الغيظ والحنق، من سيرورة هذا القول الذي حسبته شعراً (وكان
الهجاء لا يكون إلا شعراً) مما نفاه لها أبو بكر وهو صادق! ولكن الصورة
الزرية المثيرة للسخرية التي شاعت في آياتها، قد سجلت في الكتاب الخالد،
وسجلتها صفحات الوجود أيضاً تنطق بغضب الله وحربه لأبي لهب وامرأته جزاء
الكيد لدعوة الله ورسوله، والتباب والهلاك والسخرية والزراية جزاء الكائدين
لدعوة الله في الدنيا، والنار في الآخرة جزاء وفاقاً، والذل الذي يشير
إليه الحبل في الدنيا والآخرة جميعاً..
أبو
لهب ـ (واسمه عبد العزى بن عبد المطلب) هو عم النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ
وإنما سمي أبو لهب لإشراق وجهه، وكان هو وامرأته " أم جميل " من أشد الناس
إيذاء لرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وللدعوة التي جاء بها..
قال
ابن إسحاق: " حدثني حسين بن عبد الله بن عبيد الله بن عباس قال: سمعت
ربيعة بن عباد الديلي يقول: " إني لمع أبي رجل شاب أنظر إلى رسول الله صلى
الله عليه وسلم يتبع القبائل، ووراءه رجل أحول، وضيء الوجه ذو جمة، يقف
رسول الله صلى الله عليه وسلم على القبيلة فيقول
" يا بني فلان. إني رسول الله إليكم آمركم أن تعبدوا الله ولا تشركوا به
شيئاً، وأن تصدقوني وتمنعوني حتى أنفذ عن الله ما بعثني به " وإذا
فرغ من مقالته قال الآخر من خلفه: يا بني فلان. هذا يريد منكم أن تسلخوا
اللات والعزى وحلفاءكم من الجن من بني مالك بن أقمس، إلى ما جاء به من
البدعة والضلالة، فلا تسمعوا له، ولا تتبعوه. فقلت لأبي: من هذا؟ قال عمه
أبو لهب. (ورواه الإمام أحمد والطبراني بهذا اللفظ).
فهذا
نموذج من نماذج كيد أبي لهب للدعوة وللرسول صلى الله عليه وسلم، وكانت
زوجته أم جميل في عونه في هذه الحملة الدائبة الظالمة. (وهي أروى بنت حرب
بن أمية أخت أبي سفيان)..
ولقد
اتخذ أبو لهب موقفه هذا من رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ منذ اليوم
الأول للدعوة. أخرج البخاري ـ بإسناده ـ عن ابن عباس، أن النبي ـ صلى الله
عليه وسلم ـ خرج إلى البطحاء، فصعد الجبل فنادى: " يا صباحاه " فاجتمعت إليه قريش، فقال: " أرأيتم إن حدثتكم أن العدو مصبحكم أو ممسيكم؟ أكنتم مصدقي؟ " قالوا: نعم. قال: " فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد ". فقال
أبو لهب. ألهذا جمعتنا؟ تباً لك. فأنزل الله { تبت يدا أبي لهب وتب.. }
الخ. وفي رواية فقام ينفض يديه وهو يقول: تباً لك سائر اليوم! ألهذا
جمعتنا؟! فأنزل الله السورة.
ولما
أجمع بنو هاشم بقيادة أبي طالب على حماية النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ
ولو لم يكونوا على دينه، تلبية لدافع العصبية القبلية، خرج أبو لهب على
إخوته، وحالف عليهم قريشا، وكان معهم في الصحيفة التي كتبوها بمقاطعة بني
هاشم وتجويعهم كي يسلموا لهم محمداً صلى الله عليه وسلم.
وكان
قد خطب بنتي رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ رقية وأم كلثوم لولديه قبل
بعثة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فلما كانت البعثة أمرهما بتطليقهما حتى
يثقل كاهل محمد بهما!
وهكذا مضى هو وزوجته أم جميل يثيرانها حرباً شعواء على النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وعلى الدعوة، لا هوادة فيها ولا هدنة.
وكان
بيت أبي لهب قريباً من بيت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فكان الأذى
أشد. وقد روي أن أم جميل كانت تحمل الشوك فتضعه في طريق النبي؛ وقيل: إن
حمل الحطب كناية عن سعيها بالأذى والفتنة والوقيعة.
نزلت هذه السورة ترد على هذه الحرب المعلنة من أبي لهب وامرأته. وتولى الله ـ سبحانه ـ عن رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أمر المعركة!
{
تبت يدا أبي لهب وتب }.. والتباب الهلاك والبوار والقطع. { وتبت } الأولى
دعاء. و { تب } الثانية تقرير لوقوع هذا الدعاء. ففي آية قصيرة واحدة في
مطلع السورة تصدر الدعوة وتتحقق، وتنتهي المعركة ويسدل الستار!
فأما الذي يتلو آية المطلع فهو تقرير ووصف لما كان.
{ ما أغنى عنه ماله وما كسب }.. لقد تبت يداه وهلكتا وتب هو وهلك. فلم يغن عنه ماله وسعيه ولم يدفع عنه الهلاك والدمار.
ذلك ـ كان ـ في الدنيا. أما في الآخرة فإنه: { سيصلى ناراً ذات لهب }.. ويذكر اللهب تصويراً وتشخيصاً للنار وإيحاء بتوقدها وتلهبها.
{
وامرأته حمالة الحطب }.. وستصلاها معه امرأته حالة كونها حمالة للحطب..
وحالة كونها: { في جيدها حبل من مسد }.. أي من ليف.. تشد هي به في النار.
أو هي الحبل الذي تشد به الحطب. على المعنى الحقيقي إن كان المراد هو
الشوك. أو المعنى المجازي إن كان حمل الحطب كناية عن حمل الشر والسعي
بالأذى والوقيعة.
وفي
الأداء التعبيري للسورة تناسق دقيق ملحوظ مع موضوعها وجوها، نقتطف في
بيانه سطوراً من كتاب: " مشاهد القيامة في القرآن " نمهد بها لوقع هذه
السورة في نفس أم جميل التي ذعرت لها وجن جنونها:
" أبو لهب. سيصلى ناراً ذات لهب.. وامرأته حمالة الحطب. ستصلاها وفي عنقها حبل من مسد "..
تناسق
في اللفظ، وتناسق في الصورة. فجهنم هنا ناراً ذات لهب. يصلاها أبو لهب!
وامرأته تحمل الحطب وتلقيه في طريق محمد لإيذائه (بمعناه الحقيقي أو
المجازي).. والحطب مما يوقد به اللهب. وهي تحزم الحطب بحبل. فعذابها في
النار ذات اللهب أن تغل بحبل من مسد. ليتم الجزاء من جنس العمل، وتتم
الصورة بمحتوياتها الساذجة: الحطب والحبل. والنار واللهب. يصلى به أبو لهب
وامرأته حمالة الحطب!
"
وتناسق من لون آخر. في جرس الكلمات، مع الصوت الذي يحدثه شد أحمال الحطب
وجذب العنق بحبل من مسد. اقرأ: { تبت يدا أبي لهب وتب } تجد فيها عنف الحزم
والشد! الشبيه بحزم الحطب وشده.
والشبيه كذلك بغل العنق وجذبه. والتشبيه بجو الحنق والتهديد الشائع في السورة ".
"
وهكذا يلتقي تناسق الجرس الموسيقي، مع حركة العمل الصوتية، بتناسق الصور
في جزيئاتها المتناسقة، بتناسق الجناس اللفظي ومراعاة النظير في التعبير،
ويتسق مع جو السورة وسبب النزول. ويتم هذا كله في خمس فقرات قصار، وفي سورة
من أقصر سور القرآن ".
هذا
التناسق القوي في التعبير جعل أم جميل تحسب أن الرسول صلى الله عليه وسلم
قد هجاها بشعر. وبخاصة حين انتشرت هذه السورة وما تحمله من تهديد ومذمة
وتصوير زري لأم جميل خاصة. تصوير يثير السخرية من امرأة معجبة بنفسها، مدلة
بحسبها ونسبها. ثم ترتسم لها هذه الصورة: { حمالة الحطب. في جيدها حبل من
مسد }! في هذا الأسلوب القوي الذي يشيع عند العرب!
قال
ابن إسحاق: فذكر لي أن أم جميل حمالة الحطب حين سمعت ما نزل فيها وفي
زوجها من القرآن، أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جالس في المسجد عند
الكعبة، ومعه أبو بكر الصديق، وفي يدها فهر (أي بمقدار ملء الكف) من
حجارة. فلما وقفت عليهما أخذ الله ببصرها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
فلا ترى إلا أبا بكر. فقالت: يا أبا بكر. أين صاحبك؟ قد بلغني أنه يهجوني.
والله لو وجدته لضربت بهذا الفهر فاه. أما والله وإني لشاعرة! ثم قالت:
مذمماً عصينا | وأمره أبينا |
وروى
الحافظ أبو بكر البزار ـ بإسناده ـ عن ابن عباس قال: لما نزلت: { تبت يدا
أبي لهب } جاءت امرأة أبي لهب. ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس ومعه
أبو بكر. فقال له أبو بكر: لو تنحيت لا تؤذيك بشيء! فقال رسول الله صلى
الله عليه وسلم: " إنه سيحال بيني وبينها " .
فأقبلت حتى وقفت على أبي بكر، فقالت: يا أبا بكر، هجانا صاحبك. فقال أبو
بكر: لا ورب هذه البنية ما ينطق بالشعر ولا يتفوه به، فقالت: إنك لمصدق.
فلما ولت قال أبو بكر: ما رأتك؟ قال: " لا. ما زال ملك يسترني حتى ولت ".
فهكذا
بلغ منها الغيظ والحنق، من سيرورة هذا القول الذي حسبته شعراً (وكان
الهجاء لا يكون إلا شعراً) مما نفاه لها أبو بكر وهو صادق! ولكن الصورة
الزرية المثيرة للسخرية التي شاعت في آياتها، قد سجلت في الكتاب الخالد،
وسجلتها صفحات الوجود أيضاً تنطق بغضب الله وحربه لأبي لهب وامرأته جزاء
الكيد لدعوة الله ورسوله، والتباب والهلاك والسخرية والزراية جزاء الكائدين
لدعوة الله في الدنيا، والنار في الآخرة جزاء وفاقاً، والذل الذي يشير
إليه الحبل في الدنيا والآخرة جميعاً..